المكان موسكو ، وبالقرب من مطعم صغير في مكان يعج بالمارين كنا نجتمع نحن السوريين بشكل خاص والعرب بشكل عام لتناول وجبات الفول المدمس والفتة واقفين على الأقدام صيفاً ونتزاحم في مساحة لاتتزيد عن مترين مربعين داخل هذا المطعم الصغير شتاءً.
كان صديقي عبد الرحمن العسلي بطل العرب وسوريا في رفع الأثقال وصاحب هذا المطعم ،كريماً ،لا يبخل أبداً وذلك عندما نطلب أن يصلح صحن الفول الذي طلبه أحد الأصدقاء ليأكل و قد أنضم إليه الواحد تلو الآخر ..
وقد حدث مراراً أن هذا الصحن اللذيذ قد أشبع عشرة أشخاص وعبد الرحمن يضحك ويقول ألف هناء وشفا .
وكنت ممن تزوج قبل الآخرين وزوجتي (لتاتة) كمعظم نساء العالم ولذلك كانت لغتي الروسية أفضل من أصدقائي وكنت المرجع بلا فخر عندما يختلفون ..
لن أطيل عليكم هرائي الممل وسأدخل بتفاصيل القصة:
كما العادة أجتمعنا في ذلك المكان وبينما نحن واقفين نناقش أمر ما رأيت في عيون أصدقائي شيء يشبه ((الجدبة)) أو البله ، سألت ما الخبر فلم يكترث لي أحد ، وبحركة عفوية تلفتُ حولي وإذ بفتاة ، أو بالأحرى طفلة تتقدم نحونا برفقة أمها ، عمرها حوالي العشر سنوات ، شعرها كالحلم ، بياضها كالثلج ، تتبختر بشموخ كالسماء ، لن أستفيض في الوصف والتصوير فكلماتي عاجزة وفقيرة أمام ما شاهدت عيني وسيكون ذلك ظلماً لجمالها.
مروا من أمامنا ونحن مشدوهين ليصعدوا درج قريب من مكان وقوفنا وأصبح ظهرهم هو ما ترى عيوننا ، لم أحتمل أن لا أعلق فبادرت موجهاً كلامي للأم قائلاً::
(الله يقبرلك إياها) وفي لحظة سادت الريبة والحذر كل من حولي ولم يجرؤ أحداً أن يقل أية كلمة ، الكل ظن أنني قلت الصواب فأنا( فطحل) الشلة لغوياً!!
أما أنا فقد فهمت أنني ولشدة الرهبة أمام ذلك الجمال قد أخطأت بحرف واحد وقلت ما قلت ، وقفت الأم وقفت معها ابنتها ، التفتت الأم الذكية الحكيمة لتقول لي ، أظن أنك كنت تريد أن تقول:
(الله يحميلك إياها) أليس كذلك..
أكدتُ ظنها وأعتذرت حتى كدت أقبلُ يديها ، لانني رأيتها في تلك اللحظة أجمل من إبنتها..
منذ ذلك الوقت أصبحتُ صديق للأسرة وقد كنت منذ فترة شاهد العروس في يوم زفافها ..الله يحميها كم هي جميلة تلك االعروس
ملاحظة
سخرانيت) كلمة روسية تعني (ليحفظ) وبحذف حرف السين وإضافة حرف الدال مكانه يصبح معناها (ليدفن،أو ليقبر).