لا نـَمْتلك نقودا، وإنما حقائب سفر. كل ما لدينا نـَضعه في حقائب وأكياس نحملها أينما حللنا. هي خمسُ حقائب ترافقنا. ها نحن في قرية فيها دائرة للبلدية وكنيسة وفندق ومطعم ملحق به، لاتبعد عن بعضها كثيرا. نسأل عن فـُرص العمل، فيجيبنا صاحب الفندق بأن هناك عطالة عن العمل في القرية،
بشكل خاص بين الرجال.
نقضي الليل في الفندق. الغرفة رخيصة الثمن، أرضيتها باردة، لونـُها شبيهٌ بزرقة البحر وعليها نقوشٌ حمراءَ طحلبية، شرفتها تطل على السوق.
في السوق يتـَبَجح الباعة ُ بجودة بضائعهم، يساومون الزبائن، وسط الشتائم والمدائح، كـُلّ شيء يُلـْمَس باليد ويـُشَمّ بالأنف. أمام الباعةِ أهرامٌ من الفواكه الخضراء والصفراء والحمراء. رائِحة ُ القهوة تعبق في كل مكان.
مقلاة ُ القهوة تـَدور. حِملانٌ خـُلِعَتْ جلودها تـُنـْقـََل على حَمـّالات من الخشب. غيردا وأنا نَحزمُ الحقائبَ. نَنـْقلها الى الحوش. أذهب لجلب حقيبة ثقيلة، تاركة الحقائب الأخري ف+ي رعاية غيردا. عند عودتي حاملة تلك الحقيبة الثقيلة، ألاحظ أن غيردا قد غادرت مكانها. أناديها وأبحث عنها. أجد نفسي وسط حشد من البشر في السوق عاجزة عن الحركة، فأصرخ وأدور حول نفسي، أعود الى الحوش، فأجد حقيبتين فقط.
أنادي، أبكي، أجهش في البكاء. غيردا تعود ضاحكة ً.
أقول لها، أين كـُنـْتِ.
تقول، كـُنـْـتُ
في المطبخ أ ُعـّد الفاصولياء للطبخ.
أقول في هذه الأثناء سَرقوا آخرَ ما نـَمْلك.
تقول، لا مع الأسف.
أقول، أكبرُ حقائِبـُنا سُرقتْ.
تقول، كان لدينا الكثير منها.
أقول، لم نعد نمتلك شيئا.
تقول، لقد رَبَحـْنا الكثير.
أقول، كنتُ أ ُحبُ هذه الحقائب.
تقول، أما أن تنتمي الى مكان ما أو تمتلك حقائبا.
مرت سنوات عديدة بعد أن تزوجت غيردا صاحب الفندق
وتـَبـَنـْياني. أنا أسكن الغرفة ذات الأرضية الزرقاء المُنـَقـّشة بالأحمر،
والشرفة المطلة على السوق.