للربيع عند الشعراء والأدباء منزلة رفيعة ومقام عظيم ،فهو يوحي لهم ببدائع التعبير والتصوير.تبلغ الطبيعة فيه ذروتها من الفتنة ، لذلك نجده على رأس الفصول الملهمة لذوي الأحاسيس المرهفة والوجدانات الفياضة ،ومن يتصفح دواوين الشعراء يجدها حافلة بذكر "الربيع" والمروج الخضراء ،والروابي المزدهرة...في قصائد بديعة أنطق ناظموها فيها الطبيعة ، وجعلوا لها عالما يفيض بالحياة ، ويمتلئ بالحركة.
وأحببت هنا أن أعرض أبياتا لشاعر يعتبر من أمتع الشعراء العرب في وصف الربيع هو "البحتري " إذ كان يضفي على (أوصافه حلاوة الجرس وعذوبة الإيقاع )على حد قول بعض النقاد .
يقول فيها
أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا ....من الحسن حتى كاد أن يتكلم.
وقد نبه النيروز في غسق الدجى ....أوائل وردكن بالأمس نوما .
يفتقها برد الند ى فكأنه ....يبث حديثا كان قبل مكتما.
فمن شجر رد الربيع لباسه ...عليه كما نشرت وشيا منمما.
أحل فأبدى للعيون بشاشة ....وكان قذى للعين إذ كان محرما .
ورق نسيم الريح حتى حسبته ...يجيء بأنفاس الأحبة نعما.
أما "أبو تمام" فكانت له فلسفته الخاصة وهي الإتيان بالأوصاف الغريبة التي لم تجر على السنة غيره من الشعراء .وتبقى المعاني الطريفة الظريفة هي التي اتسم بها "الربيع " في "الأندلس "عند "ابن خفاجة" و"ابن هانئ"و"ابن زيدون "وغيرهم من الجهابذة .فأوراق الأشجار -عندهم-عذارى ، واهتزاز الغصون في مهب الريح غزل ونسيب ،وذهب الاصيل يجري على لجين الماء ....الخ.
وفي العصر الحديث برع "أحمد شوقي"براعة فائقة في استقبال الربيع، و "شوقياته" خير برهان فيها "درر"غالية "في هذا الغرض .ونجد كذلك "حافظ إبراهيم" وإبراهيم ناجي "و "علي محمود طه"وغيرهم ،وما يميز الثلاثة الأواخر تأثرهم بالنزعة"الرومانسية " في الآداب "الأوربية .
وهذا الاحتفاء "بالربيع" لم يقتصر على النظم فحسب،بل تجاوزه الى النثر أيضا ،نذكر هنا كمثال المقالات الادبية الرفيعة عن الربيع وأوصافه ومعالمه المتضمنة في "النظرات والعبارات" للمنفلوطي و"وحي القلم" للرافعي وغيرهما من الأدباء الكبار .
يستحق "الربيع "حقا كل هذا الاهتمام ،فالإنسان يلتذ من الجمال ،ويطرب من الحسن ،وتبث مثل هذه القصائد او المقالات في أنفسنا انشراحا وسرورا .
