كثيراً ما يتبادر إلى أذهان الناس مثل هذا السؤال ،
فيصدق البعض أنه يمكن لعلبة فيتامينات صغيرة أن تغنيه عن
تناول الطعام ، أو على الأقل عن اتباع النظام الغذائي الطبيعي ،
في حين يتشدد البعض الآخر معتقداً أنه لا يمكن بأي حال من
الأحوال أن يعادل ما تحصل عليه طبيعياً و لا ملء الأرض من
حبيبات الطباشير الملونة الصغيرة هذه!
بداية نقول إن الفيتامينات هي عبارة عن مجموعة من المواد
الضرورية و الأساسية لحياة الإنسان و التي لا يستطيع الجسم
بمفرده القيام بتركيبها داخلياً ، إذ لا بد له من أن يحصل عليها
بشكل جاهز !(و من هنا اشتق الاسم ، فكلمة Vita تعني
ضروري أو حيوي ، أي الأمينات الأساسية أو الضرورية) ، و هي
أساسية فعلاً للحياة ، فلا يمكن للفرد أن يبقى حياً من دونها ،
إلا أنه لا يحتاجها إلا بكميات زهيدة فقط ، و يمتلك الجسم قدرة
كبيرة لتخزين العديد من هذه المواد لفترة طويلة من الزمن ، و
عادة ما يطلق اسم الفيتامينات ليشمل عرفاً معه مختلف العناصر
و المعادن الضرورية الأخرى مثل الحديد و النحاس و الزنك و
المغنيزيوم و الصوديوم و البوتاسيوم و الكالسيوم و غيرها .
تعد الفيتامينات و المعادن الموجودة في المكملات الغذائية أشكالاً
صنعية (صناعية) من المواد المغذية الطبيعية ، و نقصد هنا
بالمكملات الغذائية الأشكال الدوائية المختلفة الحاوية على هذه
العناصر و المحضرة صناعياً بطريقة تركيبية . و لا بد من الإشارة
إلى أن مصطلح صنعية لا يعني بالضرورة إساءة ما إلى هذه
العناصر الموجودة بشكل طبيعي في الطعام و الشراب الذي يمكن
أن يتناوله الفرد يومياً ، إذ إن كافة الأشكال الدوائية الصيدلانية لا
بد و أن تحتوي على مكونات صناعية ، حتى و لو تم الإعلان عنها
كمستحضرات طبيعية 100% ، و في الحقيقة فإنه لو قدر لقرص
دواء ما أن يكون طبيعياً بأكمله لكان حجمه مثل حجم كرة الغولف
على أقل تقدير !
و بالنسبة للفيتامينات ، فقد أُبتت التجارب و الدراسات أن الجسم
البشري يقوم بامتصاص المستحضرات الصناعية بنفس الدرجة
التي يقوم فيها بامتصاص الأشكال الطبيعية شريطة مراعاة
الظروف و المعايير المناسبة أثناء التصنيع ،
فحتى يصل الجسم
الطبيعي لمرحلة الامتصاص بالنسبة لمادة ما واردة إليه عن
طريق الفم ، طبيعية كانت أو صناعية ، فإنه لا بد من أن يقوم
بإذابة و حل هذه المادة ، حيث تتولى هذه الوظيفة مجموعة من
العوامل الميكانيكية (كالمضغ و حركية المري و المعدة و أنبوب
الهضم) ، و الكيميائية (كحمض المعدة و اللعاب) و الإنزيمية
(كمختلف الإنزيمات المعدية و المعوية) ، و على الرغم من أن
الامتصاص بالنسبة لبعض المواد يمكن أن يبدأ من الفم عبر
الأغشية المخاطية الفموية ، فإنه يمكن أن يتأخر أحياناً حتى
الأقسام الانتهائية من أنبوب الهضم بالنسبة لمواد أخرى ، و قد
تمت دراسة امتصاص الفيتامينات الصناعية و كافة تحركاتها و
تحولاتها داخل الجسم البشري بشكل واف جداً على مدى المائة
عام الماضية ، و أصبح العلماء و الباحثون على علم أو يقين بهذه
المجريات فيما يخص الأشكال الصناعية من مختلف الأدوية بما
فيها الفيتامينات و بشكل أفضل مما يمكن أن نعلمه عن تحولات و
مصائر مختلف العناصر الغذائية في الغذاء الطبيعي ، بل إن بعض
الباحثين يعتقد أن الفيتامينات الصنعية التركيبية تمتص و تتحول
بشكل أفضل داخل جسم الإنسان من مثيلاتها الطبيعية الواردة
مع الغذاء ، على اعتبار أن الغذاء يحتوي على أشكال أخرى
مغايرة من الفيتامينات (يطلق عليها اسم المماكبات أو
الفيتامينات) لا يتمكن الجسم من امتصاصها أبداً و لا يستفيد
منها بأي حال من الأحوال ، كما أن الصيغ المعدة صناعياً من هذه
الفيتامينات و العناصر المعدنية تم التوصل إليها بعد العديد و العديد
من الدراسات و الأبحاث المستفيضة بحيث تؤمن أشكالاً أفضل
امتصاصاً و أكثر تناسباً من حيث التركيب و الجرعة مع حالات
مرضية معينة . و فيما عدا الفيتامين E ، حيث يتم امتصاصه
بشكله الطبيعي الوارد مع الغذاء
(و المسمى(d-alpha tocopherol أفضل مرتين من امتصاص
الأشكال الصناعية المحضرة منه (و يسمى في هذه الحالة dI-
alpha tocopherol) ، و فيتامينات أخرى ، إنما بشكل أقل ، مثل
D و K و البيتا كاروتين (و هو الشكل الطليعي للفيتامين A) التي
تشذ عن هذه القاعدة ،
فإن امتصاص الفيتامينات المحضرة
صناعياً يتم بشكل أفضل من تلك الطبيعية المصدر ، إلا أن العديد
من المصانع و الشركات الطبية أصبحت تضيف إلى مجموعة
مكملاتها الصنعية نسبة أعلى من الفيتامين E الطبيعي في
تكوين القرص ، الأمر الذي بات معه الامتصاص شبه متساو في
كلا الحالتين و ذلك بالنسبة للفيتامين E . و لا بد من الإشارة في
هذا السياق إلى أنه في حال لم تتم مراعاة أصول العمل
الصناعي الصيدلاني ، يمكن لكثير من حبوب الفيتامينات الصناعية
ألا تعدو كونها زائراً ثقيل الظل على الجسم يخرج منه دون أن
يكسبه فائدة تذكر . و من جهة أخرى فإن الطبيب يمكن أن ينصح
مريضه المصاب بفقر الدم ، بتناول اللحوم و الخضروات و الفواكه
الطازجة ، إلا أنه سيصف له في معظم الأحيان علبة فيتامين أو
شراباً أو حقناً منه ، بغية الحصول على العلاج في أسرع وقت
ممكن .
ماذا ..؟ هل نحن نشجع على العدول عن الغذاء إلى الدواء ؟!
بالطبع كلا .. فعلى الرغم من كل ما ذكرناه للتو .. و على الرغم
من كل ما قد قيل و ما قد يقال .. يبقى الغذاء أولاً ، و تكمن
الفائدة الحقيقية في العدول عن الدواء إلى الغذاء ، شريطة أن
يفي هذا الأخير بكل متطلبات الجسم و احتياجاته ، و إن الغذاء لا
يحتوي على الفيتاينات الثلاثة عشر المعروفة إلى الآن فقط (و
هي بالمناسبة A, B1, B2, B3, B6, B12, folate, biotin,
pantothenate, C, D, E , K) ، بل انه يحتوي أيضاً على عدد لا
يحصى من العناصر المفيدة و الأساسية من أجل حياة الإنسان ،
و التي كفل الله سبحانه و تعالى بقاء هذا المخلوق بواسطتها
على الأرض لأكثر من خمسين ألف سنة مضت و حتى الآن ، و
ذلك قبل أن يتم اختراع و تصنيع الأدوية ، إذ إن الغذاء يحتوي على
الألياف و السكاكر و البروتينات و السوائل و الدهون و خلافها ، و
ذلك بتوليفة إلهية لا مثيل لها ، تؤمن الغذاء و الدواء و تسر
الناظرين بحسنها و ألقها و ألوانها ، و تفتح الشهية ، و تملأ البطن
شبعاً و عافية ، إنما حاولنا في هذا المقال أن نضع النقاط على
الحروف في تساؤل ظل يتداوله الكثيرون و يختلفون في شأنه بين
مؤيد و معارض ، و أحب أن أذيل هذه المقالة بنصيحة لمحبي
الفيتامينات الصناعية بأن يجدوا الشكل الأنسب و الصيغة الأكثر
احتواءً على النسب اليومية الموصى بها من مختلف الفيتامينات و
العناصر المعدنية ، دون أن يضيعوا كثيراً من الوقت و المال على ما
ينتشر كل يوم في الأسواق و يلصق عليه وريقة تقول "الصيغة
الحافظة للطاقة" أو "مجموعة الرياضيين" أو ما شابه .
حماكم الله
و عافاككم .. و كثر من فيتاميناتكم .