في مقتبل حزن مضى كتبت على أوراق من ماء .. كلمات من جمر ونار .
آمال .. وأمنيات مدسوسة في هشاشة غيمة .
والغيث لم يأتي بعد .
تذكرت قولا قرأته يوما (( إنّ هذه البلاد لا تمطر أبدا )) .
استغربت يومها !! لأنني أمضيت ذلك الشتاء محتميا خلف حائط أغرقته مزاريب المطر .
لم أكن أعي بعد أن للمطر أوجه عديدة وأنه يشبه البشر في كثير من الأحيان , وأن له قدرة فراق غيمة احتضنته طويلا لمجرد أن القطرة شعرت بعلو شأنها وثقل وزنها .
* * *
كنت ألجأ كثيرا إلى تلك الزاوية من المدينة رفقة صديقي هربا من خواء الروح وجفاف الأمكنة , يحدث أحيانا أن تجد في صديقك ما يطابقك حدّ التقمّص . هناك بمحاذاة البحر حيث شواطئ القهر والرحيل , كنّا نرتدي وعثاء السفر ونتأهبّ للهروب والانسحاب من هذا اللامكان .
لم أتأمل السماء يوما إلاّ ورأيتها ملوّنة بنداءات السفر , فأعود وأهادن روحي بتواطىء مع حنيني وقلبي الضعيف . بعد أن أتهاوى تحت ضربات الغربة والوحشة فأعود وألعق الأرصفة والجدران شوقا , وأكتشف بعدها أنّ ادّعائي المقاومة بات يؤرقني .
* * *
يمرّ بي شعور غريب أحيانا أحسّه ضروريا لكي أستمرّ في الحياة بحريّة مطلقة ودون أن أعيشها بذلك القالب الجاهز مسبقا بعيدا عن كلّ الطقوس والأغلال ,
قال لي صديقي يوما :
(( العشق الأبدي حماقة .. والالتزامات الاجتماعية جحيم وما يليق وما لا يليق أغلال تلتف حول العنق .. أريد أن أكون إنسانا آخرا .. مجنوناً وواعياً وكافراً وتقيّا وداعراً ومتحرراً وملحداً ومرتداً وصوفياً وغجرياً ومشردا وبوهيا .. أريد أن أتقمص كل دور لم أعشه من قبل … لا بد أن أجد لنفسي حيوات أخرى .. كي اشعر بالحياة .. هذا حقي .. وإذا لم يكن حقي … هذا ما أريد … لا يهمني احد .. سأفعلها رغم انف المجتمع وكل مدّعي الأخلاق.. لأثبت للجميع أنني لست “مثالياً” من قطيعهم ، ولا أريد أن أكون “مثاليا” أبدا بإملاءاتهم .. ))
كنت أجد في كلامه جنونا , لكني الآن لا أعرف لماذا أشعر أنني بحاجة لأن أتبع طريقته المجنونة تلك , أوليس بيننا وبين الضياع سوى شعرة من عزة نفس ؟؟
* * *
أشعر أحيانا برغبة في إيصال صوتي , ولكني سرعان ما أتراجع لأن العالم لم يعد يلزمه مزيدا من ذلك الصوت .. هذا العالم بذلك الضمير الغائب المستتر.
كم صعب أن تعيش في زمن لم يعد فيه للحب نشوى أو دون أن يرتجف قلبك وتصطك أسنانك خوفا ولذة وأنت تلثم عنق حبيبتك ... كيف لذلك الشعور أن يصبح فعلا عاديا بلا أي معنى ؟؟
ها أنا أنتظر الرد من حبّ قابع على مفترق حزن .
( انتهت )