لم يعرف التاريخ حاكما أشد قسوة من (دراكيولا)، هذا الرجل الذي أثار اشمئزاز كل الذين عاصروه لوحشيته
غير الطبيعية التي أثارت ذهول كل الذين عاصروه أو قرأوا تاريخه. والحديث هنا ليس عن (دراكيولا)
مصاص الدماء الشهير الذي قدمته السينما العالمية، بل عن (دراكيولا) الحقيقي، فهو شخصية حقيقية تحدثت
عنها كتب التاريخ بالتفصيل، فقد كان أمير مملكة (والاشيا) والتي أصبحت في زماننا الحالي جزءا من (رومانيا).
وقد عاش (دراكيولا) في القرن الرابع عشر، وكان اسمه الحقيقي هو (فلاد الوالاشي) نسبة لـ(والاشيا) التي كان
يحكمها، والتي جعل الناس فيها يرتجفون خوفا من مجرد ذكر اسمه، بعد أن قام بأعمال وحشية يشيب لهولها
الولدان، بل أن البعض كان يطلق عليه اسم (فلاد المخوزق) نسبة إلى ولعه بالخوزقه والتي كانت تعتبر وسيلة
الإعدام المفضلة لديه، لأنها تقتل الناس ببطيء شديد قد يصل لعدة أيام تعاني فيها الضحية عذابا لا يوصف،
وتتلخص الخوزقه بغرس وتد خشبي كبير في الأرض بحيث تكون نهايته حادة جدا، وبعدها يتم جلب الشخص
المراد إعدامه، ويتم إرغامه على الجلوس على نهاية الوتد الخشبي الحادة بكل ثقله وقدمه لا تمس الأرض بسبب
طول الوتد، وتظل الضحية معلقة هكذا إلى أن تموت !! ولك أن تتصور الألم الرهيب الذي تعانيه الضحية
جراء هذه الوسيلة البشعة للقتل.
وتذكر كتب التاريخ أنه وبعد أن أصبح (دراكيولا) حاكما لـ (والاشيا)، قام بدعوة الفقراء والعجائز والمعاقين من
أبناء مملكته لحضور وليمة هائلة أمر بإعدادها خصيصا لهم، وبالطبع لبى الجميع دعوته وقام هؤلاء الضيوف
المساكين بالأكل والشرب وهم لا يصدقون أعينهم، وبعد أن انتهوا من الأكل سألهم دراكيولا قائلا: هل تريدون
أن تتخلصوا من فقركم وآلامكم للأبد ؟، فصاحوا جميعا بحماس: نعم !! فخرج مع جنوده من قلعته وأقفل أبوابها
على هؤلاء الناس، ثم وبكل بساطة أمر جنوده بحرق القلعة !! فأشعل الجنود النار في القصر ليحترق جميع
الفقراء المسجونين في الداخل، وكانت هذه نهاية مشاكلهم كما وعدهم (دراكيولا) !! وقد برر فعلته الشنيعة هذه
بأنه كان لا يريد أن يكون هناك أي فقير في مملكته، لذا فكان الحل الأمثل هو التخلص منهم !!.
وهناك قصص أخرى أكثر وحشية من هذه وأشد غرابة، منها ما فعله عندما قام بدعوة مجموعة من النبلاء
المعارضين لحكمه لوليمة كبيرة في قصره تقام على شرفهم، وبينما هم على مائدة الطعام، سألهم (دراكيولا)
عن عدد الحكام الذين عاصروهم في (والاشيا)، فرد عليه النبلاء قائلين بأنهم عاصروا عددا كبيرا من الحكام نظرا
للدسائس والمؤامرات والاغتيالات الكثيرة التي حصلت تجاه هؤلاء الحكام والتي تؤدي بطبيعة الحال إلى تغيير
الحاكم، فنهض (دراكيولا) غاضبا وصرخ فيهم بثورة فاجأت الجميع مدعيا بأنهم هم السبب الرئيسي وراء كل
الدسائس التي كانت تحصل في الماضي والتي أدت لتغيير الحكام، فأمر بإلقاء القبض عليهم، وخوزق العجائز
منهم، وأمر بإرسال الباقين إلى منطقة تدعى (بويناري) لبناء قلعة فوق الجبل، وكان النبلاء يعملون في الجبل
وسط الصخور الوعرة طوال الوقت حتى أن ثياب بعضهم كانت تتمزق، فاستمروا في عملهم عراة في مشهد
رهيب لا يوصف !! حتى أن الكثيرين لقوا حتفهم من مشقة العمل وعدم حصولهم على أوقات كافية للراحة،
ليصادر بعدها (دراكيولا) أموالهم ويعطيها لمؤيديه حتى يكسب ولاءهم.
ولم يكتف (دراكيولا) بقتل الناس بالخوزقة، فقد كانت هناك وسائل أخرى يستخدمها في الإعدام، إذ كان
يستمتع كثيرا بغلي الناس أحياء، أو سلخ جلودهم وهم أحياء أيضا، بل أنه كان يضع رؤوس أعدائه على مائدة
الإفطار حتى ينعم بنظرة الموت بعيونهم !! وحتى حينما فقد السلطة في فترة من فترات حياته والتي عاش فيها
مختفيا عن الأنظار، كان يخوزق الطيور والفئران كإحدى وسائل التسلية لديه!!.
لقد وضع (دراكيولا) أثناء فترة حكمه قوانين صارمة جدا كان هدفه الرئيسي منها هو حفظ الأمن في جميع
أرجاء (والاشيا)، وكان عقاب من ينتهك هذه القوانين هو –بالطبع – الخوزقة، فالتاجر الذي يغش الزبائن،
واللصوص، والكذابين، وحتى المرأة التي تخون زوجها، كان مصيرهم جميعا الخوزقة، بل أنه خوزق امرأة
ذات مرة لأن قميص زوجها كان قصيرا!! بل ولم يكن يمانع بخوزقة الأطفال أيضا إذا أخطأوا!! وكان يعرض
جثث ضحاياه في الأماكن العامة حتى يراها الناس وتكون عبرة لهم كي يلتزموا بالقوانين، لذا فقد كانت نسبة
الجرائم في عهده معدومة تقريبا. ولكي يثبت (دراكيولا) قوة القانون في (والاشيا)، أمر بوضع سبيل ماء في
أحد الأماكن العامة مع كوب مصنوع من الذهب كي يشرب منه الناس مع عدم السماح لأحد بأخذه، وأمر بوضع
الكوب دون أي حراسة، ولشدة خوف الناس من (دراكيولا) لم يجرؤ أحد منهم على سرقة الكوب!!.
وتشير كتب التاريخ أن (دراكيولا) قد قتل خلال فترة حكمه بين 40 – 100 ألف شخص!! حتى أن الأتراك
الذي كانوا في حالة حرب معه فشلوا في هزيمته في إحدى المعارك بسبب الهلع الذي دب في قلوب الجيش
التركي من ممارساته الوحشية، فعندما أعد السلطان التركي (محمد الثاني) جيشا جرارا يفوق جيش (دراكيولا)
بثلاث مرات تقريبا لغزو (والاشيا)، كان (دراكيولا) قد أدرك أن المعركة خاسرة ولا أمل له بالنصر، فقام
بحرق كل القرى الموجودة على حدود (والاشيا) وسمم كل الآبار حتى لا يجد الجيش التركي الماء أو الطعام
عند وصولهم لحدود مملكته، وبعد هذا تراجع (دراكيولا) لعاصمة لمدينة (ترجوفيست) وهي عاصمة (والاشيا).
والواقع أنه لم يكن ليحتاج لكل هذا، فعندما وصل الجيش التركي إلى حدود (والاشيا)، شاهد أفراده منظرا
رهيبا في الغابة المحيطة بـالمنطقة، منظر مخلّد لا يجهله أي قارئ لتاريخ (دراكيولا)، فقد شاهد الجنود الأتراك
آلاف المساجين والأسرى الأتراك الذين قبض عليهم (دراكيولا) في حربه الطويلة معهم وكانوا جميعهم
مخوزقين، وعلى الرغم من أن الجيش التركي الذي أعده السلطان (محمد الثاني) كان – كما ذكرنا- أقوى بكثير
من جيش (دراكيولا)، إلا أن الجنود الأتراك رفضوا الاستمرار في التقدم من هول ما رأوا، وبالفعل تراجع
الجيش التركي، فانتصر (دراكيولا) في هذه المعركة!!.
والواقع أن (دراكيولا) - وبعكس ما قد يتصور الكثيرون - يعتبر حاليا بطلا قوميا في (رومانيا) وهو جزء هام
جدا من تراثها لأسباب عديدة، فهو أحد الحكام القلائل إن لم يكن الحاكم الوحيد الذي حارب أعداء بلاده
المجريين والأتراك بضراوة، ووقف سدا منيعا ضد التأثيرات الأجنبية على حضارة وثقافة بلاده، وقام بتوحيد
جميع مقاطعات (والاشيا).
ويحمل (دراكيولا) الكثير من الألقاب، مثل (أمير الظلام)، أو (ابن الشيطان) أو (نوسفيراتو) وهي كلمة مجرية
تعني (الذي لا يفنى)، وأطلق عليه البعض الآخر – كما ذكرنا في البداية- اسم (فلاد المخوزق) لحبه إعدام الناس
بالخوزقة، أما أشهر ألقابه على الإطلاق فهو بالطبع: (دراكيولا)، ويعني (التنين) أو (الشيطان)، حتى أن
الكثيرين لا يعرفون اسمه الحقيقي ويعرفونه بهذا اللقب.
واختلف المؤرخون حول الوسيلة التي مات بها(دراكيولا)، إلا أن الأرجح هو أنه قد قتل عندما كان يشارك
جنوده القتال في إحدى المعارك ضد الأتراك، بينما تذكر رواية أخرى أنه قتل على يد جنوده أثناء الحرب، وقد
قام السلطان التركي بغرس رأس (دراكيولا) على رأس رمح وعرضه على الناس حتى يتأكد الجميع من موته،
وتذكر كتب التاريخ أن جثة (دراكيولا) قد دفنت في مكان مجهول في جزيرة (سناجوف)، والغريب أنه في عام
1931م وبعد ما يقارب الخمسمائة عام من وفاته، قام عدد من الباحثين بإجراء العديد من أعمال الحفر في
تلك الجزيرة لاستخراج ما تبقى من جثة (دراكيولا) إلى أنه لم يتم العثور على أي أثر للقبر!!.
وما ذكرناه هو بعض اللقطات المهمة من سيرة (فلاد الوالاشي) أو (دراكيولا) والتي تحوي من قصص القتل
والتعذيب ما يكفي لملء مجلد كامل دون أي مبالغة، وجدير بالذكر أن شخصية (دراكيولا)، هي التي أوحت
للكاتب الكبير (برام ستوكر) بشخصية (دراكيولا) مصاص الدماء الشهير في روايته عام 1897
(منقول بتصرف)