أنواع العصبيات:
للعصبية أنواع متعددة، وما سبق في تعريفها من أنها تعصُّب ذوي القربى والتحالف، وتضامن أبناء القبيلة؛ إنما هو أصل معناها في اللغة، وهو يعود إلى كلمة عَصَبَة، غير أن معناها قد تُوسِّع فيه بعدُ، فأُطلقت على أنواع أخرى من التعصُّبات؛ بحسب الغرض الذي نشأت لأجله، والسبب الذي اعتمدَتْ عليه، وإن من الصعوبة البالغة، حصر أنواعها، لكن يمكن أن نضرب أمثلة لها بعصبيات: ((الجنس، أو اللون، أو اللغة، أو المذهب، أو الوطن، أو الحزب، أو القوم، أو الجنسية... وهكذا))، ومنها - لا شك - عصبية النسب، أو العصبية القبلية التي هي مَدار بحثنا هذا.
ثالثًا: مظاهر العصبية القبلية في العصر الجاهلي:
لم يكن العرب في الجاهلية أمة واحدة، ولا شعبًا واحدًا، بل كانوا قبائل وعصائب متفرقة، تحكمها أعراف قبلية متنوعة، وقد كانت العصبية القبلية هي أساس النظام الاجتماعي الجاهلي، الذي شعاره: ((انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا))[24]، الداعي إلى نصرة المنتسب إلى القبيلة دون اعتبارٍ لكونه مُحِقًّا أو غير محق، وبخاصة " أن مجتمع القبيلة في العصر الجاهلي - بعلاقاته وعاداته وأعرافه - مجتمع يولد فيه العربي، ثم ينشأ متشرِّبًا عاداته وأعرافه التي تُبنى على دعامة أساسية هي النسب، وحينما يفتح الفرد عينيه على ما حوله يجد أن كل امرئ في قبيلته يتغنَّى بانتمائه إليها، ويعتدُّ بأَرُومَته[25]؛ بدءًا من والده وإخوته، وانتهاءً إلى رهطه وعشيرته، فـ((جنسيته)) هي جنسية القبيلة المنحدر منها، و((هُويَّته)) التي يحملها في حِلِّه وتَرحاله اسمُ قبيلته، ذلك الاسم الذي يميزه عن أفراد القبائل الأخرى، ويعصمه عن أن يتيه بينهم"[26].
وبما أنّ العصبية القبلية كانت أساسًا للنظام الاجتماعي في العصر الجاهلي، فقد تأصَّلت في نفوس العرب بعامة، والأعراب منهم بخاصة؛ لعيشهم في الصحارى والقِفَار. وتجلّت في كثير من نواحي حياتهم