يوماً بعد يوم تزداد كميات استهلاك المياه لدى المواطنيين كافة لأغراض الشرب والغسيل والإستحمام والسباحة وغيرها من الإستخدامات اليومية الضرورية.
والماء عنصر ضروري للحياة و بدونه لا يمكن العيش للإنسان أو الحيوان أو النبات وهو نعمة من نعم الله عز وجل و جاء في القرآن الكريم: (( وجعلنا من الماء كل شيءٍ حي )).
وقد حثنا سبحانه وتعالى على الحفاظ على هذه النعمة وعدم هدرها لأن في وجود المياه حياة للبشرية و في فقدانها هلاكها جميعا" حيث جاء في قوله تعالى: (( وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ).
ترشيد استهلاك المياه :
يعتبر ترشيد استهلاك المياه من المواضيع الحيوية التي تشغل الرأي العام العالمي ولا ينبغي تجاهلها وهي مسؤوليتنا جميعا" للحفاظ على الموارد الطبيعية وممارسة الأساليب الحضارية في التعامل مع المياه وتكييف عاداتنا اليومية مع الحلول العملية التي تقدمها الدراسات العملية في هذا المجال.
والترشيد هو الاستخدام الأمثل للمياه بحيث يؤدي إلى الاستفادة منها بأقل كمية وبأرخص التكاليف المالية الممكنة في جميع مجالات النشاط.
وعندما نتحدث عن ترشيد الاستهلاك فإننا نهدف إلى توعية المستهلك بأهمية المياه باعتبارها أساس الحياة وتنمية الموارد المائية الذي أصبح مطلبا" حيويا" لضمان التنمية المستدامة في كافة المجالات الصناعية والسياحية والزراعية وذلك عن طريق العمل على تغيير الأنماط والعادات الاستهلاكية اليومية بحيث يتسم السلوك الاستهلاكي للفرد أو للأسرة بالتعقل والاتزان والرشاد.
و الدعوة إلى ترشيد الاستهلاك لا يقصد بها الحرمان من استخدام المياه بقدر ما يقصد بها العمل على تربية النفس والتوسط وعدم الإسراف.
ولأن حاجة الإنسان من المياه تفوق ما تمده الطبيعة فقد أصبحت مشكلة المياه تتصدر هموم سكان العالم إذ أن أكثر من خمس سكان العالم يعانون من أزمة توفر المياه العذبة والنقية.
و أصبحت مسألة المياه تحضى بأهمية كبيرة إقليمياً وعالمياً حيث أن الصراع القادم في العالم سيكون من أجل السيطرة على مصادر المياه ومنابعها.
فالمياه كانت ومازالت مصدر النزاعات والأطماع رغم الإتفاقيات المبرمة دولياً نظرا" لاستهلاك بعض الدول كميات أكثر من واردها المائي المتجدد سنوياً نتيجة ارتفاع نسبة الكثافة السكانية ومعدل النمو فيها وكثرة احتياجاتها من المياه لأغراض متعددة.
والوطن العربي يملك من شرقه إلى غربه 1% من المياه العذبة المتاحة في العالم مع أنه يضم قرابة 5% من سكان الأرض ولديه تزايد سكاني مرتفع جداً .
وهذا الواقع يجعل معظم دوله تحت خط الفقر المائي الشديد أي أقل من 1000م3 للفرد سنوياً.ومن المتوقع أن يتناقص نصيب الفرد فيه إلى أقل من 500 م3 سنويا"بحلول عام 2025 في معظم دول الوطن العربي.
ونظرا" لوقوع سورية ضمن المناطق الجافة وشبه الجافة يجعل وارداتها المائية محدودة وتعتمد على الأنهار الدولية وعلى هطول الأمطار التي تتفاوت بين منطقة وأخرى.
وقد كان موسم العام الحالي أفضل من العام الماضي بالنسبة لمياه الأمطار ومخازين السدود و حصتنا من مياه نهر الفرات لكنه تقع سورية في عجز مائي سنوي يتراوح بين ثلاثة أو أربعة مليارات متر مكعب. وإذا ما تم الاستفادة من كامل حصتنا من نهر الفرات ومن أنهار و ينابيع الساحل فإنه يمكن تعويض هذا العجز.
وفي محافظة السويداء حيث تفتقر لوجود مصادر مائية متجددة و موثوقة لتأمين الإحتياج المستقبلي سوى المياه الجوفية تقوم المؤسسة العامة لمياه الشرب بالسويداء بتنفيذ مجموعة مشاريع آبار في مختلف مناطق المحافظة لتغطية الإحتياجات المائية اللازمة إذ يتوقع أن تصل كمية العجز المائي عام 2030 كمية / 13.8 /مليون م3/ سنة.على اعتبار أن عدد السكان المتوقع أن يصل 602000 نسمة بزيادة سكانية 2.3% وباحتياج مائي قد يصل كمية 37.5 مليون م3 /سنة.
وتقوم المؤسسة بحماية المصادر المائية المتوفرة والحفاظ عليها نقية عذبة وصالحة للاستهلاك البشري ومنع تلوثها والحد من نسبة هدر المياه بشتى الوسائل المتاحة لديها حيث يتم استبدال وتجديد مختلف شبكات مياه المحافظة القديمة والمهترئة للحد من نسبة الفاقد المائي فيها ورفع نسبة الوارد المائي وكذلك يتم تحديث وتطوير وتحسين محطات ضخ مياه الشرب لرفع نسبة أدائها ورفدها بالعاملين و الفنيين المختصين للعمل فيها.
كما تقوم عناصر دائرة التحليل والتعقيم في المؤسسة بمتابعة عملية تعقيم المياه وإجراء الإختبارات الجرثومية والكيميائية على عينات من المياه المنتجة قبل وبعد ضخها بالخطوط الرئيسية والفرعية للتأكد من سلامتها وصلاحيتها للإستخدام البشري وفق المواصفات القياسية السورية لمياه الشرب.
فيما تقوم عناصر قمع المخالفات في المؤسسة بقمع المخالفات التي تحصل للحد من عملية التعدي على خطوط الشبكات وتنظيم الضبوط اللازمة بحق المخالفين لأحكام نظام الإستثمار المعمول به لدى مؤسسات مياه القطر وإحالتهم إلى القضاء المختص حسب الأصول القانونية.
وأود الإشارة هنا إلى أن مثل هذه الظاهرة نجدها في مناطق السكن العشوائي خارج المخططات التنظيمية للوحدات الإدارية إذ تكثر المخالفات وعمليات التعدي على خطوط الشبكة وهذا يؤدي إلى زيادة في استهلاك الأسرة الواحدة خمسة أضعاف ما تستهلكه الأسرة في حال وجود عداد نظامي ووجود قيمة مادية للمياه المستهلكة.
دور المرأة في ترشيد استهلاك المياه:
مثلما للرجل رب الأسرة دوره الهام والأساسي في بناء الأسرة والإشراف عليها وتأمين احتياجاتها المادية والمعنوية فإنه للمرأة ربة المنزل الدور الهام في ذلك وخاصة في موضوع ترشيد إستهلاك مصادر الطاقة من كهرباء وماء وغيره وتقع على عاتقها مسؤولية تحديد وتنظيم مصاريف المنزل المختلفة من أكل وشراب وشراء الملابس وغيرها.
إذا" هي المشرفة المسؤولة عن كل ذلك ضمن المنزل بالإضافة إلى الرجل الذي قليلا" ما يهتم بتلك الأمور نظرا" لانشغاله في عمله خارج المنزل. كما أن وجود المرأة في البيت يرتب عليها مهام عديدة إضافة إلى مهامها التربوية والإجتماعية الأخرى اتجاه أفراد أسرتها فمثلا" عندما ترى أطفالها يفتحون حنفية المياه ويتركونها لبعض الوقت دون فائدة من واجبها أن تطلب منهم إغلاق الحنفية واستخدامها عند الحاجة فقط ويأتي دورها التربوي الهام في توضيح أسباب ذلك لتغرس فيهم مفهوم المسؤولية والحرص الدائم على الثروات الوطنية منذ صغر سنهم وتعلّمهم أن هدر المياه باعتبارها ثروة وطنية هامة سيؤدي بهم إلى الهلاك في حال فقدت.و لا فائدة من ترك الحنفية تهدر المياه سوى الخسارة المادية حيث ترتفع فاتورة المياه وتصبح عبئا" ماليا" على رب الأسرة هذا بالإضافة إلى باقي الفواتير الأخرى كالكهرباء والهاتف....ولا بد من أن يعرف أفراد الأسرة بأن الإنسان يمكن أن يعيش لمدة شهر بدون غذاء لكنه لا يمكن أن يعيش أكثر من أسبوع بدون مياه.
كما أن هدر المياه هو الكمية الزائدة عند الحاجة وهي مسألة مرتبطة بسلوكية الأفراد ويعود سبب ذلك إما لعادات مكتسبة أو عدم معرفة أو ضعف مسؤولية ولها أشكال متعددة يمكن الإشارة إلى بعضها:
- إن الصنبور الذي يسرب الماء يهدر / 7 / غالونات يوميا" على الأقل.وهذه تشكل 10% من حصة الفرد من مياه الشرب يوميا" .لذلك لابد من إصلاح أي تسرب للمياه ضمن المنزل بأقصى سرعة والذي كثيرا" ما يكون ناتجا" عن تآكل الجوان البلاستيكي أو تعطل الحنفية.
- استعمال الخلاطات والصنبور بطيء الإغلاق يؤدي إلى هدر حوالي 30 % من كمية المياه المستهلكة مابين فتح الصنبور وإغلاقه عند إنتهاء الحاجة للمياه.
- استخدام الغسالات الحديثة يؤدي إلى توفير في استهلاك المياه حيث تستهلك الغسالات القديمة على الأقل 100 ليتر بينما الحديثة تستهلك 25 ليتر كما أنها مزودة ببرامج نصف غسلة عند استخدام نصف سعتها مما يوفر 15 ليتر.
- استخدام السيفون الحديث في المنزل بدلا" من القديم الذي يستهلك 15 ليتر بينما الحديث يستهلك 6 ليتر.
- استعمال الدوش عند الاستحمام يستهلك تقريبا (20 لتر) بينما يستهلك البانيو ما يزيد عن (140 لتراً).
- استخدام كأس عند تنظيف الأسنان توفر كميات كبيرة من المياه دون أن تشعر. إذ غالبا ما تترك الحنفية مفتوحة أثناء تنظيف الأسنان وبذلك تهدر كمية لا تقل عن عشرة غالونات بينما يكفي لتنظيف الأسنان نصف غالون.
- استخدام (سطل) عند غسل السيارة وعدم إستخدام خرطوم المياه لأن الخرطوم يستهلك حوالي 300 لتر في كل مرة.
- غسيل أرض منزل بمساحة 100 م2 بواسطة النربيش يحتاج 90 ليترا" على الأقل بينما بواسطة المسح العادي يحتاج 18 ليتر.
- ترك الحنفية مفتوحة والانشغال بعمل آخر يؤدي إلى هدر المياه دون فائدة كأن تترك ربة المنزل المياه مفتوحة أثناء قيامها بأعمال المطبخ والإنشغال بالرد على الهاتف أو استقبال الضيوف أو التحدث مع شخص آخر دون الإنتباه إلى حنفية المياه التي تهدر المياه بدون فائدة وبالتالي نضوب المياه من خزان مياه المنزل وانقطاعها ريثما يتم ضخها بالدور القادم أو تأمين صهريج مياه جديد.
- زراعة النباتات التي تتحمل الجفاف في حديقة المنزل واختيار نباتات الزينة بعناية كالصبار والنباتات الطبية كالزعتر والشيح والميرمية وغيرها من الأصناف التي تتحمل الجفاف.
وتلك الأمور يمكن تداركها بكل بساطة حفاظا" على الثروة المائية وتخفيفا" من هدرها دون أي فائدة سوى الخسارة الإقتصادية بدفع قيم مرتفعة لقاء فاتورة المياه هذا بالإضافة إلى ضياع هذه الثروة وعدم تجددها وزيادة ملوحتها وتلوثها الأمر الذي يؤدي إلى نتائج وخيمة على المجتمع بأكمله إذ تنتشر الأمراض الناتجة عن تلوث المياه والتي تؤدي إلى الموت.
وفي إطار الجهود الدولية للحد من هدر المياه ومكافحة تلوثها أطلقت منظمة الأمم المتحدة حملة تستمر عقدا" من الزمن ابتدأت يوم الثاني والعشرين من آذار عام 2005 ذكرى يوم المياه العالمي وتنتهي عام 2015 وذلك تحت شعار: المياه من أجل الحياة.
و أكدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أن نحو 1.6 مليون طفل يموتون كل عام بسبب أمراض ناجمة عن تلوث المياه، حيث يموت حوالي 40000 طفل يومياً بسبب نقص المياه العذبة.
وتشير الإحصائيات إلى أنّ 80% من أمراض مواطني العالم الثالث تُسببها المياه الملوثة، و أن مليار شخص في الدول النامية يُعانون من نقص مياه الشرب النقية.
وحسب اليونيسيف فإن كل شخص بحاجة إلى 20 لتر من المياه يوميا للشرب وغسل اليدين وطبخ وجبة بسيطة ودون ذلك يصبح عرضة للأمراض.
إن الأرقام السابق ذكرها آنفا" توضح حجم المهمة التي تواجه العالم من أجل تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية التي تطالب بتقليل نسبة الذين لا يحصلون على المياه النظيفة والصرف الصحي إلى النصف بحلول عام 2015.
لذلك كان علينا جميعا"أفرادا" ومؤسسات رسمية ومنظمات شعبية مسؤولية الحفاظ على الثروة المائية ومكافحة كل مظاهر تلوثها حفاظا" على استمرارية حياتنا ومستقبل أجيالنا القادمة مثلما كان على الدولة مهمة البحث عن مصادر مائية بديلة غير تقليدية لتأمين الإحتياجات المائية المتزايدة يوما" بعد يوم لجميع السكان في المدينة والريف.
والدعوة موجهة للجميع دون استثناء وقد حان الوقت لتبني ثقافة مائية أكثر تقشفا"قبل أن يقع الخطر الذي لا يستثني أحد. فالتنمية الحقيقية للموارد المائية لها حدودها النظرية والعملية وهي مكلفة اقتصادياً وتتطلب زمناً طويلاً غير أن ترشيد استخدام المياه مسألة في متناول اليد ولا تتطلب إمكانيات اقتصادية أو فنية كبيرة.
وشكرا" لاستماعكم
حسان يوسف غانم
رئيس المكتب الصحفي في مؤسسة مياه السويداء